الإخــوان.. لصوص الأوطــــــان.. «الإرهابية».. إمبراطورية «الأموال المشبوهة»

جماعة الإخوان
جماعة الإخوان

منذ تأسيسها قبل 90 عاما، أدركت جماعة «الإخوان» اهمية تأمين موارد مالية ضخمة تعينها على تنفيذ مخططها السياسي، وشراء ما تريد من متطلبات تعينها فى مشروع «التمكين» بداية من شراء الذمم، وصولا إلى شراء السلاح.. والحقيقة أن تتبع جذور الامبراطورية الاقتصادية لـ»الإخوان» يفضح أمرين فى غاية الخطورة، الأول هو غموض المصادر المالية للجماعة، وهى مسألة ظلت مستمرة حتى اليوم، والثانى هو ارتباط الجماعة الإرهابية بقوى استخباراتية واستعمارية معادية للمصالح المصرية والعربية على مدى التاريخ.

وقد كشفت الوثائق السرية لأجهزة وزارة الخارجية البريطانية والاستخبارات العسكرية البريطانية MI6، والتى أفرج عنها مؤخرا عن تعاون قديم بين تلك الأجهزة وبين «الإخوان»، وكان المال هو الجسر الأول لبناء علاقة بين الطرفين استمرت لعقود، ولا تزال، فقد كان اول تبرع تلقاه حسن البنا لتأسيس الجماعة عام 1928 من بريطانيا، وكان ستار التمويل هو هيئة قناة السويس التى كانت خاضعة آنداك تماما لسيطرة الاحتلال البريطاني، وكانت قيمة التبرع 500 جنيه، أى ما يعادل أكثر من نصف مليون جنيه وفق بعض التقديرات لقيمة العملة حاليا.

النواة الأولى

وبالفعل كان هذا التبرع البريطانى السخى للبنا، النواة الأولى لبناء الجماعة، لكن الرجل سرعان ما أدرك أن طموح الجماعة فى الوصول إلى السلطة، يحتاج إلى تدفقات مالية مستمرة تتجاوز فكرة التبرعات، لذلك سارع البنا فى توفير التمويل اللازم لأغراض الجماعة عبر بناء شبكة من المقرات والمساجد التابعة للجماعة تتولى جمع المساهمات المالية من الأعضاء، فضلا عن رعاية مشروعات اقتصادية تدر ربحا كبيرا، وكانت المدارس واحدة من المشروعات التى سعت الجماعة إلى استغلالها اقتصاديا وفكريا فى نشر أهدافها، واستمر هذا النهج منذ زمن البنا وحتى الآن.

والغريب أن «الإخوان» استفادوا فى تلك الفترة المبكرة من تاريخهم من الصراعات السياسية بين أحزاب الأقلية وبين الوفد، فى تدعيم امبراطوريتهم الاقتصادية، ففى الثلاثينيات من القرن الماضي، وفى قرار غريب من محمد حسن عشماوى وزير المعارف المتعاطف مع الجماعة آنذاك، قررت الوزارة دعم كل طالب يدرس فى مدارس «الإخوان» بـ75 قرشا، وتوفير الكتب مجانا، وهو ما ساعد على انتشار المدارس الإخوانية ومضاعفة الإقبال على الالتحاق بها(!!).

ثوابت اقتصادية

ويرصد كتاب «اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين فى مصر والعالم» للباحث الاقتصادى عبد الخالق فاروق جذور النشاط الاقتصادى الخطير للجماعة الإرهابية، فيشير إلى ان الجماعة وضعت ثوابت اقتصادية ظلت مستمرة لعقود، ومنها امتلاك شركات ومشروعات تجارية متنوعة الأنشطة والمجالات لتدر ربحا يمكنه تمويل أنشطة الجماعة وخدمة اهدافها، واستطاعت تلك الشركات توفير أموال هائلة استخدمتها الجماعة فى معاركها السياسية وشراء ولاءات العديد من الساسة فى مرحلة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، واستخدامهم فى صراعاتها الكبيرة، بل وفى تدبير العديد من الاغتيالات السياسية التى ارتكبتها الجماعة ضد خصومها السياسيين.

ولم تقتصر أوجه تمويل الجماعة على الشركات المملوكة لها، بل امتدت أيضا إلى اقتطاع حصة من دخل كل عضو إخواني، تفاوتت النسبة بين 3-7% حسب بعض التقديرات، إضافة إلى قبول العديد من التبرعات السخية من المتعاطفين مع الجماعة فى الداخل والخارج، بل وتلقى تبرعات ومساعدات من أجهزة استخبارات أمريكية وبريطانية تحت ستار التعاون المشترك فى مواجهة الشيوعية والأفكار الاشتراكية.

وحتى فى مرحلة الصدام بين الجماعة والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، واتخاذ الدولة اجراءات صارمة بحق أنشطة ومشروعات الجماعة، اسطاع عدد كبير من قيادات وأعضاء «الإخوان» الفرار إلى السعودية، والاستفادة من الخلاف المصرى السعودى آنذاك فى الحصول على ملاذ آمن، مكنهم من تكوين ثروات هائلة من خلال الحصول على وظائف بأجور خيالية، والفوز بعقود مقاولات كبيرة فى دول الخليج، الأمر الذى انعكس ايجابا على القدرات المالية للجماعة وأعضائها.

وفى تلك الفترة بدأت الجماعة السعى إلى تجاوز الحدود العربية، ومحاولة التمدد عالميا، وبالتحديد فى قلب اوروبا أملا فى حشد التضامن الغربى معهم، وفى الوقت ذاته البحث عن مصدر ربح كبير، وبالفعل بدأ نجم شخصية مثل يوسف ندا فى الظهور، وهو الرجل الذى تولى إدارة استثمارات التنظيم الدولى للجماعة فى أوروبا، واستطاع بالتعاون مع عدد من الشركاء مثل يوسف القرضاوى ود.زغلول النجار، وأحمد إدريس نصر وهو شخص اريترى الجنسية وكان أحد شركاء أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» بناء قاعدة لامبراطورية اقتصادية إخوانية، كان قاعدتها «بنك التقوى»، إضافة إلى تأسيس العديد من الشركات السرية بنظام off- shore فى الملاذات الضريبية الآمنة مثل جزر الباهاماس، وجزر كايمان، وقبرص، ونجحت تلك الشبكة السرية فى إخفاء أموال «الإخوان» من محاولات الترقب والمتابعة، رغم ان تلك الشركات تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات.

طريقة العصابات

كما أن تلك الأساليب السرية فى إدارة شركات «الإخوان» على طريقة جماعات الجريمة المنظمة المحترفة عالميا مثل، المافيا الإيطالية، وآل كابونب الأمريكية والياكوزا اليابانية، ساعدت الجماعة من النجاة بأموالها من محاولات التعقب لأموال دعم الإرهاب، على الرغم من الاتهامات الأمريكية لعدد من شركاء يوسف ندا بتمويل الإرهاب، ومنهم عبد الرحمن العمودى وهو شخص اريتيرى الأصل، وتحاصره العديد من الاتهامات بمساعدة وتمويل تنظيمات إرهابية عبر العالم.

ولأن «الإخوان» تجيد انتهاز الفرص، فقد استطاعت الجماعة استغلال تحسن علاقتها مع نظام الرئيس الراحل أنور السادات، الذى أفرج عن العديد من قيادات الجماعة من السجون، وأعادهم إلى وظائفهم، ونجحت الجماعة فى تأسيس شبكة ممتدة من الشركات التجارية التى تنوعت أنشطتها بصورة غير مسبوقة بداية من أعمال التجارة الدولية والمضاربة فى الأسواق المالية والبورصات العالمية، مرورا بشركات المقاولات وإنشاء المستوصفات والمستشفيات والمدارس وتجارة الأدوية عبر شبكات الصيدليات الخاصة، وصولا إلى شركات توظيف الأموال والسياحة الدينية ومكاتب المحاسبة، وتجارة العملة عبر شركات الصرافة، بل وإدارة شبكة واسعة من المطاعم والكافيهات وتجارة السيارات والأثاث والنشر الالكترونى والمكتبات.

كما امتد نفوذ ونطاق عمل تلك الشركات فى مرحلة السبعينات من القرن الماضى إلى خارج مصر، مستفيدين من تخفيف القيود الرسمية على نشاط شركات الحماعة، وعلى حركة القيادات البارزة بها، واستمر هذا النهج بوضوح فى فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فرغم ما كان يعترى العلاقة بين مبارك والإخوان من صدامات متقطعة، غير ان الامبراطورية الاقتصادية للجماعة شهدت انتعاشا كبيرا وتوسعا هائلا.

خدمة النفوذ

وسرعان ما استفادت الجماعة من هذا التوسع الاقتصادى للترجمه إلى نفوذ سياسي، فمع انسحاب الدولة من العديد من المناطق، وتخليها عن أداء دورها فى تقديم أوجه الرعاية المادية والصحية والتعليمية، وبخاصة فى المناطق الفقيرة والمحافظات الريفية، كانت «جماعة الإخوان» تبادر إلى ملء هذا الفراغ عبر شبكة من المشروعات الخدمية مثل المستوصفات الشعبية والمدارس، إضافة إلى تقديم المساعدات العينية كالأغذية ممثلة فى شنط الزيت والسكر وغيرها من الأطعمة التى استخدمت لاحقا فى التأثير على القرار التصويتى لهؤلاء البسطاء، وقد اتضح تأثير هذا النهج الإخوانى لاحقا، وبخاصة فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، والتى شهدت تأثيرا ملموسا لتلك الأساليب فى دعم مرشحى الجماعة فى مواجهة مرشحى التيارات السياسية الأخرى.

وتكشف قوائم المشروعات التى وضعت تحت تصرف لجنة حصر أموال «الإخوان» بعد اعتبارها جماعة إرهابية عام 2013، حجم النفوذ الاقتصادى لتلك الجماعة ورجالها، فعلى مدى الشهور الأولى لعمل تلك اللجنة منذ تشكيل اللجنة سبتمبر 2013، تم التحفظ على أموال 2400 شخص، وما زال هناك آخرون قيد الدراسة القانونية، و630 شركة متنوعة النشاط بينها 70 شركة صرافة لعبت دوراً سلبياً فى التأثير على قيمة العملة فى ظل أزمة سعر الصرف قبل قرار تحرير السعر، و460 سيارة و328 فداناً و17 قيراطاً، و1200 جمعية أهلية بعضها كان فروعاً للجمعية الشرعية، و123 مدرسة فى معظم المحافظات، و130 مستشفى ومستوصفاً، و522 مقراً لحزب الحرية والعدالة، و54 مقراً لجماعة الإخوان، وتقدر القيمة الإجمالية لهذه الممتلكات بنحو 50 مليار جنيه، وتنتشر هذه المقرات والممتلكات فى فى كافة محافظات مصر.

والغريب فى الأمر أنك لن تجد فروقا تذكر بين تنامى النفوذ السياسى لقيادات الجماعة الإرهابية سياسيا واقتصاديا، فمعظم تلك القيادات السياسية يتمتع بنفوذ اقتصادى واسع، وخير دليل على ذلك خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة، وصاحب مجموعة من الشركات، وكذلك حسن مالك وعصام الحداد القيادات الإخوانية البارزة وهم من رجال الأعمال المؤثرين فى اقتصاد الجماعة، بل إن كثيرا من الشخصيات التى اختارها المعزول محمد مرسى فى مواقع القيادة بالدولة خلال العام الأسود لحكم الجماعة، كانوا من رجال الاعمال وأصحاب نفوذ اقتصادى فى «الإخوان»، ومنهم أحمد عبد العاطى (مدير مكتب مرسي)، وأسعد الشيخة (ابن اخت مرسى وشريك خيرت الشاطر فى العديد من الشركات).